tg-me.com/ZADI2/54536
Last Update:
لكيلا تأسوا على ما فاتكم
إعداد حسن الكنزلي
ساهم في النشر؛ تؤجر
محاور الخطبة:
■ مقدمة
■ لا فرص ضائعة عند الله
■ المنع اختيار الله لعبده
■ الفرق بين اختيار العبد لنفسه واختيار الله له
■ التعلق الزائد بالمفقودات ومخاطره النفسية
■ دروس واقعية من الحياة والتجارب
■ كيف نُعدّ أنفسنا لاستقبال قضاء الله برضى ويقين؟
■ خاتمة
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي كتب على عباده الفقد والمنع كما كتب لهم العطاء والمنح، وجعل في كل أمر حكمة، وفي كل قضاء رحمة، وفي كل قدر لطفا خفيّا لا يدركه إلا أولي الألباب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه، إمام الراضين، وقدوة الصابرين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
■ فإن الله جل جلاله يقول في محكم التنزيل: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍۢ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ(22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍۢ فَخُورٍۢ(24)﴾ [الحديد].
وهذه الآية ترسم ملامح "النضج العاطفي الإيماني"، فتعلِّم القلب كيف لا ينهار إذا فاته مطلوب، ولا يتكبر إذا نال مرغوبا؛ بل يبقى مستويا بين المنع والعطاء، بين البلاء والرخاء.
قال الإمام الطبري رحمه الله: "أي لكيلا تحزنوا على ما فاتكم؛ لأنكم تعلمون أنه مقدر، فلا حيلة فيه، ولا تفرحوا فرحَ بطر على ما أعطاكم؛ لأنه أيضا مقدر من الله" [تفسير الطبري 22/566].
فما أعمق هذه التربية القرآنية! تربيةٌ لا تترك النفس فريسة للتعلق المَرَضيّ، ولا أسيرةَ النشوة الكاذبة؛ بل ترفعها لتعلّق بالله؛ لا بالأسباب، بالمعطي؛ لا بالعطاء، بالحكمة؛ لا بالحال.
■ عباد الله، إن من أصول الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومرّه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك»
[رواه الترمذي (2516) وقال: حسن صحيح].
فلا تسرف في الحزن إن فاتك أمر، ولا تعتقد أنك ضيعت الفرصة التي لن تتكرر؛ فالله سبحانه لم يخلقك لتعيش في وهم الندم الدائم؛ بل لترضى بقضائه وتمضي مطمئنا إلى أن كل تأخير أو تفويت هو لحكمة أرادها، وعلم غيب؛ لا تراه عينك.
قال ابن القيم رحمه الله: "لو فتح الله لك باب الغيب؛ لرأيت أن المنع كان هو عين العطاء، وأن ما حزنت لأجله، هو نفسه ما يُسعدك بعد حين" [الفوائد، ص: 97].
أيها المؤمن، من تعلّق قلبه بالله، لم يهتز حين يُحرم، ولم يتضعضع حين يُمنع؛ بل يقول كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "اللهم إن كنت منعتني ما أحب، فاجعل فيه الخير لي، وارضني به حتى أحبه".
■ أيها الأحبة في الله، كثيرٌ من الناس يرون أن الخير فقط فيما نالوه، وأن الشر فيما فقدوه؛ لكن المؤمن يدرك أن المنع من أعظم صور الرحمة؛ بل إن في المنع أحيانا نجاة من فتنة أو هلكة لا يعلمها إلا الله.
انظروا إلى يوسف عليه السلام، أراد إخوته منعه من الحياة حين ألقوه في الجبّ؛ فكان المنع سببا في أن يصبح عزيز مصر!
وموسى عليه السلام، منع من القصر، فخرج هاربا مطاردا؛ لكنه عاد برسالة من ربه يزلزل بها عرش الطغاة.
وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، منع من البقاء في مكة، فخرج مهاجرا، فتأسست في المدينة أعظم أمة في تاريخ البشرية.
وفي كل هذه الأمثلة، كان المنع من الناس؛ لكنه كان عين العطاء من الله، لأن الله يختار لعبده بحكمته؛ لا بجهل العبد.
قال بعض السلف: "إذا أغلق الله أمامك بابا؛ فاعلم أن رحمته لا تُغلق، وأن الباب المغلق كان يحجز عنك ضررا لا تراه".
قال الشاعر:
ولربَّ أمرٍ تكرههُ النفوسُ لهُ منَ الخيـرِ ارتـقـاءُ
قد يُحرَمُ المرءُ ابتغاءَ سلامةٍ
فيكونُ حرمانُ الإلهِ عطاءُ
فرب منعٍ كان هو سر نجاتك، ورب فواتٍ كان حبل وصالك بالله، ورب أمنيةٍ لم تتحقق، كانت إن تحققت لهلكت بها!
أيها المؤمن، الرضا بحكمة الله، لا يعني الاستسلام للضعف؛ بل يعني القوة في الإيمان، والثقة في التدبير الإلهي، والثبات على الطريق دون التعلق بالنتائج.
قال الإمام ابن عطية في تفسيره: "الراضي هو من يعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، فيتلقى المنع كما يتلقى العطاء".
ومن عظيم فقه السلف، ما رُوي عن رابعة العدوية رحمها الله أنها قالت: "كل ما جرى به قلمي في اللوح المحفوظ، فأنا به راضية".
أيها الإخوة، هذا هو الإيمان الراسخ: رضا عند المنع، شكر عند العطاء، توازن بين الفرح والحزن، قلب يوقن أن الله أرحم به من نفسه، وأن ما كتبه له خير، وما صرفه عنه خير، وما أخّره عنه خير.
BY زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚
Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283
Share with your friend now:
tg-me.com/ZADI2/54536